رواية بيت البنات الفصل التاسع 9 بقلم امل صالح


 رواية بيت البنات الفصل التاسع 9 بقلم امل صالح


#التاسع 

- مكنش ينفع تغلطي فيها برضو يا ندى! دي مهما كان أمي وأكيد لما شتمتيها هي وهايدي ده خلاها تتعصب أكتر ما كانت متعصبة.


توسعت عيناها بصدمة وهي تستمع لهذه الاتهامات التي يصوبها ناحيتها، تحاول أن تتخيل كم الاكاذيب التي خدوعوه بها، ابتسمت بعدم تصديق وهي تشير على نفسها: أنا يا ناصر؟؟ أنا أشتمها؟!! دانا عمري ما غلطت في حد غريب مهما كان الموقف هاجي مرة واحدة كدة أقوم شاتمة حماتي؟!! 


نظرت حولها بحيرة: دانا لما صوتي عِلىٰ شوية يومها ورديت عليها كنت زعلانة من نفسي، أنا مش مصدقة والله اللي أنت بتقوله، مش مصدقة إنهم قاله كده عني! 


تنهد ناصر وهو يمسح وجهه بضيق، 

مَن يصدق الآن؟؟ 


تلك القابعة أمامه والتي توحي ردة فعلها بمدى صدقها أم والدته وشقيقته اللاتان أقسما بكتاب الله أنها سبتهما.!


كانت بداية حديثهما عن ابنتهما الراحلة، ظلا يسترجعان ذكرياتها معها والابتسامة لا تفارقهما ... وكذلك لم تفارق الدموع عينيهما.


وبدأ بعدها الحوار ينجرف لما حدث بهذا اليوم، حتى تفاجئت به يخبرها بأنها سبّت والدته! 


رفع وجهه لها ليتنهد مردفًا بهدوء: طب ممكن تحكيلي اللي حصل من البداية، هما الاتنين حكولي وعايز أسمع منِك أنتِ كمان.


ابتلعت ما بجوفها وأخذت تقص عليه من بداية اليوم عندما تركت البيت وهبطت لمنزل حماتها رفقة ابنتها وسلفتها "نورة" زوجة شقيقه "سيد": فضلت واقفة مع نورة بنعمل الأكل وهي بتعثط برة، طلعتلها مرة واتنين وتلاتة قولتلها يا طنط البنت جعانة ولازم ترضع وهي سمعتني كلمتين ملهمش لازمة، فضلت تقولي قسّي قلبك وبطلي دلع ومش كل ما تعيط ترضع، زعقت وقالتلي أدخل أكمل الأكل، دخلت ولقيت نورة هي كمان طلعت لسيد جوزها عشان عايزها وفضلت واقفة سامعة عياط وأنا بعيط معاها جوة...


كانت تتحدث وعيناها تفيض دمعًا، تشعر بدقات قلبها المتألم لفقدان غاليتها وفلذة كبدها، تابعت وهي تشهق من بين بكائها: مقدرتش استحمل، خدتها منها بالعافية ودخلت رضعتها في المطبخ وهي بعينها شافت إنها سكتت لما رضعت!


تطلعت للفراغ أمامها مسترسلة: زعقتلي عشان خدتها وأهملت في الأكل، ولقيت هايدي طالعة تزعق بسبب الصوت العالي، الاتنين قالولي إني متربتش وطالعة من بيت قليل الأدب وأنا والله والله والله يا ناصر مردتش غير بإني لو فعلًا طالعة من بيت قليل الأدب مكنتش نزلت عملت اي حاجة تحت ولا حطيت ايدي في شغل البيت، أبسط حاجة كنت هقولها بنتك عندك!!!


شهقت مرة أخرى وهي تترك العنان لنفسها لتبكي قدر ما تشاء وبصوت عالي: حطيتها على الطرابيزة جنبي، هايدي قالتلي إنك متجوزني عشان اخدم أمك، قالتلي أنتِ خدامة وناصر مش بيحبك، وفي وسط ما هي بتتكلم لقيتها وقعت..


وانفجرت بالبكاء تتذكر تلك اللحظات التي بكت بها خلود قبل أن تغادر روحها جسدها، كانت المرة الأخيرة التي تستمع فيها لصوتها الصغير، كانت المرة الأخيرة التي تراها بها، المرة الأخيرة لها معها.


لم يشعر ناصر بنفسه وهو يبكي إلا عندما هبطت دموعه الساخنة فوق وجهه، كانت تهتز أمامه باكية في حين كان هو جامدًا ثابتًا، لقد عانت أكثر مما عانى هو!






لقد ماتت طفلتها بين ذراعيها، ولم ترحمها والدتها أو شقيقته بل زادوا آلامها بإتهاماتهم وحديثهم اللاذع، ولم تكتفيا بهذا بل قاموا بطردها لخارج البيت دون أن تودع صغيرتها!


يصدقها ويستشعر صدق حديثها بوضوح، لكن ما لا يفهمه هو سبب أفعال إيمان والدته وهايدي أخته!!


ترك ناصر المقعد الذي كان يجلس عليه وانتقل ليجلس بجانبها على الفراش، جذبها بهدوء لداخل أحضانه ليمسح على رأسها هبوطًا لظهرها وكم كانت هي بإنتظار هذا العناق!


شددت على ملابسه وازدادت بكاءًا: وحشتني أوي يا ناصر، كان نفسي أعمل حاجات كتير معاها، كان نفسي اسمع أول ماما منها كان نفسي تكبر قصاد عيني، كان نفسي احضنها لآخر مرة.


ولم يعرف حتى بماذا يجيبها.!

تمنى هو الآخر كل هذا، تمنى كل هذا وأكثر!


اكتفى بأن حاوطها أكثر وشدد عليها داخل أحضانه وكذلك فعلت هي، كان عناقًا بمثابة ضمادة وضعها كل منهما للآخر، كان دواءًا لكليهما.


وخارج بناية منزل عائلة الهلالي، حيث يقف مَجد يشاهد بصدمة ما تفعله ابنة عمه رفقة هذا الشاب المخادع اللعوب، بخطوات سريعة تقدم منهما ليدخل هو الآخر ذلك الزقاق الصغير متسببًا في فزع كلاهما.


وكانت بسملة هي ما نالت الصدمة الأكبر بوجوده، أولته ظهرها سريعًا وقد ظنت أنه لا يعرف بأمرها وما كادت تتحرك حتى صدمها أكثر وهو يدفع ذلك الشاب من عنقه للخلف.


اقتربت منه بسرعة وهي تحاول إبعاده عنه بخوف: مجد، ابعد عنه بسرعة، سيبه هيموت في إيدك يا متخلف!


دفعها مجد وأخذ يلكم هذا الشاب ويركله والآخر يحاول الفرار من بين يديه لكن دون جدوى، فكان غضبه منه ومنها يعميه عن كل ما حوله.


بكت وهي تنظر حولها تتمنى ألا يراهم أحد وقد عادت لتمسك بيده بسرعة تترجاه ببكاء: بالله عليك سيبه، بالله عليك خلينا نمشي.


ابتعد عنه مجد وصدره يعلو ويهبط وهو يطالعه أرضًا بغضب، يشعر أنه لم يكتفي بعد، يريد أن ينهي حياته ويتأكد تمامًا من موته.


كاد أن يقترب فوقفت أمامه بسرعة تترجاه صامتة بعينيها تلك المرة، رماها بنظرة تمنت لو انشقت الأرض وتبتلعها قبل أن ينظر لها بها، كانت نظراته مليئة بالاستحقار والاشمئزاز.


خرج من الشارع وهي خلفه بعد أن القت نظرة سريعة عليه أرضًا، لم تقف لتطمئن عليه فإن رآها أحد سينتهي أمرها.


صعد سلالم البناية الخاصة بهم بخطوات سريعة يحاول أن لا ينظر لها مرة أخرى لكي لا يفتك بها هي الأخرى كما فعل بمن قبلها. 


وكانت هي خلفه تحاول اللحاق به قبل أن يصل لمنزله: مجد! لو سمحت ممكن تسمعني، يا مجد أنا والله معملتش أي حاجة غلط، والله بنشوف بعض بـ...


التفت ولم يعد يستطع تحمل تبريرها وإصرارها على إخباره بالحقيقة، صرخ بها بكل صوته والغضب: إولعي أنتِ وهو، مش عايز اسمع ولا أعرف أي حاجة، يا متربية!


وقفت صامتة على غير عادتها، لو كانت بغير موقف لصرخت به بغضب مماثل ولكنه محق وهي مخطئة! حاولت الحديث مرة أخرى: والله أ...


ولكنه قاطعه كما فعل سابقًا: قولتلك مش عايز اسمع زفت كلام! أنتِ مش متخيلة نزلتِ في نظري إزاي..


تابع وهو يشير للأعلى: لما أنا كده أومال أبوكِ وأمِك الغلبانين دول هيكون وضعهم إيه؟؟ حرام عليكِ يا شيخة دول مفيش في طيبة قلبهم! حرام عليكِ توطي راسهم بالشكل ده ليه؟!!


ذرفت عينها الدموع، سألته برجاء وصوت مختنق: أنت مش هتقول حاجة صح؟؟ مش هتقول لحد فيهم، بالله عليك ما تقول حاجة وأنا والله مش هقابله تاني و .... وهمسح رقمه ومش هيبقى في اي تواصل بينا والله.


- هو أنتِ غبية؟؟؟


صرخ بها بشكل جعلها تنتفض خوفًا، تمسكت بدرابزين السلم جانبها وهي تغمض عيناها وكأنها تتفادى بهذا صراخه.


تابع بذات الصوت العالي: مش بتفكري غير في نفسِك؟؟ خايفة من أبوكِ ومش خايفة من ربنا؟؟ أنا مش مصدق لحد دلوقتي، غوري من وشي يا بسملة، غوري!


تابع صعوده لمنزله وارتمت هي فوق السلم تبكي والخوف يأكلها من أن يخبر والدها بما رآه، لم تضع الله بحسبانها طوال الوقت، حتى عندما صرخ بها مجد الآن لم تفكر سوى في رد فعل والدها، هو هادئ بطبعه وحنون لكن عند الغضب بإمكانه قتلها.!!!


ولج البيت وصفع الباب خلفه بقوة خرجت على أثرها والدته شهيرة التي سرعان ما اقتربت منه بقلق: في اي يا مجد؟؟ مالك يا حبيبي.


القى بجسده فوق أول ما قابله ليجيبها وهو يغمض عينيه: مفيش حاجة يا ماما...


فتح عينه ينظر حوله بضيق: هي الكهربا قاطعة عندنا ولا عمومي.


جلست أمامه تجيبه: لا عمومي، قطعت قبل معادها النهاردة، المهم أنت في ايه؟؟ حصل حاجة في الشغل ولا ايه؟!!


تنهد يجيبها مبتسمًا بهدوء: لأ الحمد لله كل حاجة تمام، الجو بس زي ما أنتِ شايفة نار!


وقفت تعود لما كانت تفعله مبتسمة، حتى وإن كان هناك ما يخفيه لن يجيبها أو يريحها، هذا هو طابع مجد، إنه أكثر أخوته هدوءًا وتعقلًا، لا يحب أن يشغل من حوله بمشاكله على عكس طارق تمامًا الذي يحب أن يستمع لأراء الجميع حول مشكلة ما.






ظلت بسملة في مكانها تبكي وهي لا تعرف كيف تجعله يستمع لها، لن تدعه يخبر والدها لن تدعه يفعل!


- بسملة!!


رفعت وجهه على ذلك الصوت فوجدته سامر الذي اقترب منها عاقدًا حاجبيه: في ايه؟؟


جلس على السلم بجانبها: هببتِ ايه يا بت؟؟


بكت مرة أخرى فتوسعت عيناه وهو يرفع ذراعيه عاليًا بإستسلام: يخربيتك أنا عملت ايه؟؟


حاول أن يهدئها لتخبره عن سبب بكائها لكنها لم تتوقف، صرخت به وهي تقف: ملكش دعوة يا سامر!!


رفع شفته عاليًا وهو يصعد السلم: دانا متربتش والله إني بسأل، أحسن عنك ما قولتي.


دلف البيت هو الآخر ليجلس أمام مجد ليخلع حذاءه: دي باردة والله..


فتح مجد عينه يسأله بفضول: مين؟؟


- بسملة! قاعدة تحت على السلم بتعيط جيت اسألها هبت فيا.


اغمض عينيه من جديد: تتفلق.


ضيق سامر عينيه بشك: أنت عارف هي بتعيط ليه؟؟

- وهعرف منين!

- كذاب يا يا حبيبي والكذب بيخر منك.


وقف مجد وتحرك لغرفته بعد أن رفع كتفيه ببساطة: معرفش أنت قصدك إيه، شوف هتعمل ايه بقى وسيبني ساعتين قطع الكهربا دول نايم.


أما بسملة، دخلت المنزل بعد أن تأكدت أنها أخفت آثار الدموع والبكاء، وصلها صوت ناصر الذي يتحدث مع والدته فاستغلت انشغالها وتحركت لغرفتها بسرعة.


التقطت هاتفها، بدأت بمسح كل ما يتعلق به من رسائل وسجلات المكالمات وغيرها، لم تتردد للحظة واحدة وهي تفعل كل هذا، حتى إذا حاول مجد أن يفشي سرها ستُكذبه، هذا هو الحل الوحيد!!


غادر ناصر بالخارج وقابل في طريقه بسنت وجنى التي رحبت به بشيء من الضيق، جلستا في الصالون بعد أن أمرت جنى بسنت بجمع جميع أفراد العائلة لتخبرهم بأمر هذا السحر.


حاولت كثيرًا أن تتخيل ردة فعلهم بالأخص والدتها ووالدها الذي سيغضب ما إن يعلم بأمر تصرفها بمفردها، والأسوء أنه حتى الآن لم يعلم بأمرها هي وعصام!!


التفوا جميعًا على الارائك، نظرت لباب البيت تترقب دخوله في اي لحظة، حتى سمعت صوت المفتاح الذي التف في مقبض الباب وتلى ذلك دخوله.


وقعت عيناها عليهم وهم يجتمعون بهذا الشكل المريب! أشارت له جنى وهي تقف عن مكانها: لو سمحت يا بابا اقعد شوية لازم أعرفك على حاجة.


تحدثت وجيهة بقلق: ماتقولي يا جنى في ايه قلقتيني!


جلس توفيق وشمر عن ساعديه، تطلعت كلٌ من جنى وبسنت لبعضهما البعض بتوتر، جلست جنى هي الأخرى وافتتحت حديثها بما جعل توفيق ووجيهة وندى تتسع عينهم بعدم تصديق: لقينا ورق زي اللي لقيناه من كام سنة تاني، بصورة لينا كلنا وكلام غريب مكتوب بالأحمر..


يتبع...🥰


#بيت_البنات

#بقلم_أمل_صالح


                   الفصل العاشر من هنا 

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×